سيسجل عام 2017 نفسه في تاريخ صناعة التقنية والطيران، باعتباره العام الذي بدأ فيه عصر إنتاج الطائرات باستخدام الطابعات الرقمية ثلاثية الأبعاد، مع بداية دخول صناعة الطيران في رحلة تحول يتوقع لها أن تكون بطيئة، لكنها عميقة الأثر، لتتغيير طرق صناعة الطائرات من الخراطة واللحام، واستخدام السبائك وعمليات التجميع، إلى الطباعة والبناء عبر نظم يتشارك في تشغيله الكمبيوتر والبرمجيات والإلكترونيات والتقنيات المتطورة، في صهر ونفث المعادن العالية المتانة الخفيفة الوزن على أسطح مستوية، لطباعة الأجزاء المختلفة من الطائرة، بما فيها المحركات والجسم الضخم للطائرة.
عرض «دريم لاينر»
كشفت شركة «نورسك تيتانيوم» أن أجزاء طائرة «دريم لاينر» المطبوعة بشكل ثلاثي الأبعاد، ستعرض في «معرض باريس الدولي للطيران»، الذي سيقام خلال الفترة من 19 إلى 25 يونيو 2017، مع مجسم عرض كامل النطاق لتقنيتها. • الطباعة ثلاثية الأبعاد تقدم لصناعة الطائرات فرصة تصميم هياكل متكاملة كقطعة واحدة. • «بوينغ» تستهدف طباعة 1000 من أجزاء الطائرة بالطريقة ثلاثية الأبعاد. 3 : ملايين دولار الوفر الذي توفره طباعة 4 أجزاء من الطائرة رقمياً. |
خط إنتاج
التطور الدّال على ذلك هو صدور بيان مشترك من شركة «بوينغ» الأميركية العملاقة لصناعة الطائرات، وشركة «نورسك تيتانيوم إيه إس» النرويجية، المتخصصة في الطباعة الرقمية ثلاثية الأبعاد للمعادن، قالتا فيه إنهما حصلتا على رخصة من سلطة الطيران المدني الفيدرالية الأميركية، لتشغيل خط داخل مصانع «بوينغ» يعمل بأجزاء من الطائرة تم إنتاجها بطريقة الطباعة الرقمية ثلاثية الأبعاد، وذلك بعد أن خضعت هذه التقنية في التصنيع لاختبارات مكثفة ومجهدة، على حد وصف البيان، لمدة عام انتهى في فبراير 2017، وصدرت على أثره رخصة التشغيل.
مرحلة تحوّل
ونقل موقع «كمبيوتر وورلد» computerworld.com عن نائب رئيس «بوينغ» لمواد وهياكل الطائرات ومدير موردي أجزاء الطائرات التجارية، جون بايرن، قوله إن «(بوينغ) ستبدأ استخدام أربعة أجزاء على الأقل، من التيتانيوم، منتجة بالطباعة ثلاثية الأبعاد، لبناء طائرتها 787 دريم لاينر»، لافتاً إلى أنها بداية لرحلة تحوّل تستهدف الوصول إلى إنتاج واستخدام نحو 1000 من أجزاء الطائرة المختلفة، مطبوعة طباعة رقمية ثلاثية الأبعاد خلال السنوات المقبلة. وأضاف أن «بوينغ» تعاقدت مع شركة «نورسك تيتانيوم» لطباعة الأجزاء الأربعة، طباعة ثلاثية الأبعاد، لاستخدامها كمكونات أساسية في الطائرات التجارية من طراز «دريم لاينر»، وهي طائرة نفاثة متوسطة الحجم عريضة الجسم تعمل بمحركين نفاثيين، وتنتج منها «بوينغ» 144 طائرة سنوياً.
وأكد بايرن أن طباعة هذه الأجزاء الأربعة طباعة رقمية ثلاثية الأبعاد، سيخفض الكلفة الكلية للطائرة الواحدة، بما قد يصل إلى ثلاثة ملايين دولار (نحو 11 مليون درهم).
آلية العمل
من جانبها، قالت شركة «نورسك تيتانيوم» إنها تستخدم ما يطلق عليه «تقنية الترسيب السريع للبلازما»، التي يتم فيها صهر أسلاك «التيتانيوم» باستخدام أشعة أو شعلات «البلازما» الموجودة في حيز من غاز «آرجون»، ثم تتم الطباعة الثلاثية الابعاد بعد ذلك بطريقة مشابهة لما تقوم به الطابعات المكتبية ثلاثية الأبعاد، الملحقة بأجهزة الكمبيوتر المكتبية الشخصية عند استخدامها البلاستيك الحراري المصهور في طباعة بعض الأشياء البسيطة في المكتب أو المنزل، طباعة رقمية ثلاثية الأبعاد.
وتقوم تقنية «الترسيب السريع للبلازما» بترسيب طبقات من «التيتانيوم»، طبقة فوق أخرى على سطح مستوٍ لبناء الجزء المطلوب حتى يكتمل، بدلاً من عمليات خراطة وصهر وتشكيل المعدن المتبعة في خطوط الإنتاج الحالية.
الكلفة والوزن
ومن هنا، فإن الطباعة الرقمية ثلاثية الأبعاد تقدم لشركات صناعة الطائرات الفرصة لتصميم وإنتاج هياكل متكاملة مرة واحدة وكقطعة واحدة، ما يعني تحويل وتغيير الطرق المتبعة حالياً في التجميع والتصنيع، مع إمكانات ضخمة في خفض كلفة ووزن أساسات الطائرة، وتحسين إمكانات المهندسين في تصميم اجزاء مخصصة بصورة بحتة لوظائف محددة في نهاية المطاف للطائرة التي يعملون عليها.
ولفتت «بوينغ»، في بيانها، إلى أن الطباعة الرقمية ثلاثية الأبعاد لأجزاء الطائرة أظهرت أنه بالإمكان الانتهاء من إنتاج أجزاء المحركات النفاثة واختبارها خلال أيام، بدلاً من شهور في الطريقة الحالية التي عادة تستهلك هذا الوقت الطويل في عمليات الخراطة وصهر المعدن وتشكيله، لذلك فإن استخدام تقنية الطباعة الرقمية في صناعة الطائرات سينمو بمعدل كبير.
وأكد البيان أن «بوينغ» ستعمل على تسريع استخدام الطباعة الرقمية في إنتاجها، بطرق تجعل للأمر قيمة بالنسبة للشركة، وتحقق قيمة مضافة دون زيادة المخاطر على المتعاملين.
تجارب سابقة
ولا يعتبر استخدام «بوينغ» للأجزاء المطبوعة ثلاثية الأبعاد من «نورسك» المرة الأولى من نوعها، التي تحاول فيها «بوينغ» الاعتماد على تقنية الطباعة الرقمية ثلاثية الأبعاد، ففي عام 2016 أكدت الشركة أنها تختبر طابعة صناعية ثلاثية الأبعاد، يمكنها بناء الأشياء تخيلياً بأي حجم، باستخدام مواد مثل ألياف الكربون، للحصول على أجزاء أقوى وأخف وزناً.
وأوضحـت الشركـة أن هذه الطابعــات صمــمـت لتلبية احتياجات الصناعات الفضائية والسيارات، من خلال جعلها قادرة على بنـــــاء أجزاء كاملـــة بخـــواص ميكانيكية قابلــــة للتكــــرار.
وفي عام 2015، كشفـــت شركة «جنرال إلكتريــــك» عـــــن إتمام مشروع متعدد السنوات لطباعة محــــرك طائرة نفاثة في مركز التـطـويــــر التجميعي، التابــــــع لها خارج مدينة «سينسيناتي».
تقنية أسترالية
وفي عـــــــام 2016، كشــــف فريق من الباحثين بجامعة «موناش» الأسترالية وشركة تابعة لها، النقاب عن نجاحهم في طباعة اثنين من المحركات النفاثة بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد.
وأكد الفريـــق أن المحركيـــن تمــت طباعتهمــا رقميـــاً بالكامل، باستخدام أسلـــوب يعرف باســــم «الصهر والتلبيــــــد بالليـــــزر الانتقـــائــــي».
وظهر أحد هذين المحركين في معرض الطيران بمدينة «أفالون» بفكتوريا الأسترالية، فيما عرض المحرك الثاني في شركة «ميكروتيربو» الفرنسية للصناعات الجوية.