أخبار
الزجاج الذكي.. من أحد الكماليات إلى وسيلة لتوفير الطاقة
يحتوي قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، الذي جرى تمريره في أغسطس، على حوافز ضريبية واستثمارية لعدد من التقنيات التي تستخدم الطاقة النظيفة، بما فيها السيارات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح. لكن الوثيقة، التي تتكون من 750 صفحة، تتضمن أيضاً خصماً ضريبياً يبلغ 30% على مُكوِّن آخر أقل شهرة في السعي نحو كفاءة استخدام الطاقة، وهو: الزجاج الديناميكي.
الزجاج الديناميكي، المعروف أيضاً باسم الزجاج الذكي، له في الأساس نفس تأثير عدسات النظارة الشمسية “الانتقالية”؛ فهو يصبح داكن اللون عند تعرضه لأشعة الشمس. لكن المختلف في هذه الحالة هو أن تأثير التلون يحدث من خلال شحنة كهربائية، يمكن تنشيطها بشكل طبيعي أو بالتحكم عن بعد.
بالنسبة للمباني الحديثة التي تحتوي على الكثير من الزجاج، يمكن استخدام التكنولوجيا لتخفيف ضوء الشمس الحاد والتوسع في استخدام المساحات المشتركة. وفيما تفرض التكاليف العالية للطاقة محادثات بشأن حجم التأثير، تتجه المدارس والمتاجر والمطارات ومبان عامة أخرى أيضاً إلى الزجاج الديناميكي كأحد الحلول محدودة النطاق لتوفير استهلاك الطاقة.
لحظة فاصلة
يقول جوردان دوريا، مدير التسويق العالمي لشركة “سيدج غلاس” (SageGlass)، وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع الزجاج الديناميكي في العالم، ومقرها مينيسوتا: “إضافة الزجاج الديناميكي إلى قانون خفض التضخم هي لحظة فاصلة وسَّعت السوق بطرق جديدة”.
في شمال شيكاغو، تضم مدرسة “سانست ريدج” (Sunset Ridge School)، التي تقع على مساحة 70 ألف قدم مربعة، 1223 لوحاً للطاقة الشمسية على السطح وحدائق أمطار وجداراً مغطى بالنباتات ومكتبة مزودة بزجاج ذكي مصنوع في شركة “فيو” (View)، ومقرها ميسيسبي. ليس لذلك الزجاج وهج ولا تغيرات مفاجئة في درجة الحرارة، ولا داعي للتحرك كل 20 دقيقة لتجنب ضوء الشمس المباشر. تقول أيفي سوكنيك، مساعدة الموجِّه ومديرة المدرسة: “يسمح ذلك لنا بالمحافظة على المزيد من الاتساق في هذه المساحة التعليمية”.
آرون أوتن، الرئيس التنفيذي لبنك “إلكهورن فالي” (Elkhorn Valley) في ولاية نبراسكا، يثق باختيار الزجاج الذكي في مبنى البنك الذي يعمل به. كما يقول: “أحب الزجاج. يكون لديك دوماً قدر من الضوء الطبيعي، وأعتقد بشكل عام أنك تكون في حالة مزاجية أفضل قليلاً”.
تجربة “ليدل”
في 2018، بدأت سلسلة متاجر السوبر ماركت الألمانية “ليدل” (Lidl) في تركيب الزجاج الذكي في 200 متجر من متاجرها، مما نتج عنه ما قال ويليام هاروود، مدير الاتصالات بـ”ليدل” في الولايات المتحدة، إنه “فوائد جمالية ملحوظة لعملائنا وفريقنا”. يضيف هاروود أن الشركة منذ ذلك الحين وفرت كميات كبيرة من الطاقة أثناء درجات الحرارة القصوى، كما تراجع استخدامها لتكييف الهواء. تخطط “ليدل” لتركيب الزجاج الديناميكي في متاجرها بالمملكة المتحدة وإسبانيا.
عندما بدأ التسويق للزجاج الذكي في أواسط العقد الثاني من القرن الحالي، يقول دوريا من شركة “سيدج غلاس” إن ما يوفره المنتج من طاقة لم يكن كافياً لبيعه؛ لاقت الشركات نجاحاً أكبر في تسويق الزجاج الديناميكي كوسيلة لتحسين “أسلوب الحياة”.
خلال مؤتمر في 2014، على سبيل المثال، قال المدير التنفيذي لـ”فيو”، راو مالبوري، إن الزجاج الديناميكي يمكنه توفير 20% من استهلاك طاقة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، ثم أضاف بعدها فائدة “أكبر بكثير”: إذا استطعت توفير مكان به مزيد من الضوء الطبيعي، تُظهِر الدراسات أن الناس يتعافون بسرعة أكبر ويتمكن الطلاب من الدراسة في بيئة أفضل للتعلم، ويصبح الموظفون أكثر إنتاجية”.
عائق التكلفة
لكن يظل عائق آخر أمام انتشاره على نطاق واسع، وهو التكلفة. يقول أولريخ ناك، رئيس قسم هياكل الواجهات بجامعة دارمشتات التقنية (Darmstadt Technical University)، إن صنع وتركيب الزجاج الذكي باهظ الثمن.
تختلف الأسعار بشكل كبير بناءً على الموقع والتصميم والاتجاه والحجم، لكن دراسة أجرتها “بروجكت دروداون” (Project Drawdown)، وهي مؤسسة غير هادفة للربح تركز على الحلول التي تشمل تقليل الكربون، في 2018 اكتشفت أن الزجاج الديناميكي أغلى 3 مرات على الأقل من الزجاج العادي (رغم تشابه تكاليف التركيب).
رغم أن زيادة الإنتاج ستجعل الزجاج الذكي أرخص في نهاية المطاف، يقول “ناك” إن تعادل الأسعار لن يحدث قريباً.
صعوبات أخرى
ما يزيد مبيعات الزجاج الذكي تعقيداً هو صعوبة تحديد الوفر من الطاقة بالضبط. تشير الدراسات إلى أنه يناهز 10% إلى 20%، لكن من الصعب تحديد رقم أكثر دقة: الكثير من عمليات التركيب تجري في مبان جديدة، وتستخدم شركات مختلفة طرقاً ومواداً مختلفة لتلوين الزجاج، مما يجعل من الصعب تحديد المعيار في الصناعة.
تستخدم شركتا “سيدج غلاس” و”فيو”، على سبيل المثال، الزجاج المُتلوِّن كهربائياً: تمتلئ طبقات مغلفة داخل الزجاج ببطاريات صغيرة يمكن شحنها من خلال تيار كهربائي؛ وعندما يمر التيار الكهربائي فيها، إما من خلال التحكم عن بعد أو باستخدام حرارة الشمس، تتحرك البطاريات من طبقة لأخرى وتصنع تأثير التلوين. أما شركة “إيرايز” (Eyrise)، فتستخدم الزجاج البلوري السائل.
خلال استخدام تلك الطريقة، عندما يمر تيار كهربائي ضعيف خلال البلورات السائلة، تتحرك البلورات بشكل يسمح للضوء بالمرور. عندما لا يمر خلالها تيار كهربائي، تنتشر البلورات بشكل عشوائي ويصبح الزجاج معتماً.
توفير استهلاك الطاقة
تشير بعض الأدلة أيضاً إلى توفير للطاقة بشكل معقول. بُني مطار براونزفيل ساوث بادري آيلاند الدولي، في مقاطعة كامرون بولاية تكساس، من زجاج ديناميكي صنعته “سيدج غلاس”. في يوليو، أوقف المطار استخدام الزجاج الذكي لمدة أسبوع واحد، ثم قارن استخدام الطاقة بنفس الأسبوع في يوليو 2021 واكتشف استهلاكاً أقل للطاقة بنسبة 27%. ذكر المطار و”سيدج غلاس” في دراسة مشتركة: “احتاج الموظفون إلى استخدام مراوح شخصية للتبريد”.
تشير تقديرات “أيرايز” أيضاً إلى وفر في استهلاك المرافق من خلال استخدام زجاجها الذكي بنسبة تتراوح بين 10% و20%، وفقاً لفيليب روسكام، رئيس قسم الاتصالات التسويقية وتصميم التجربة بالشركة. يقول روسكام إن “أيرايز” لاقت نجاحاً في دول الشمال وسويسرا، حيث تتمتع المباني بعزل جيد، “لذا فإن خطر ارتفاع درجة الحرارة مرتفع للغاية”.
من جانبها، تقدِّر مؤسسة “بروجكت دروداون” أن الوفر المحتمل في الطاقة من الزجاج الديناميكي يبلغ 9%، مع الأخذ في الاعتبار التبريد والإضاءة. رغم أن دراستها تُقِر بأن الزجاج الذكي يقلل استخدام الطاقة وتكاليف التشغيل، تستنتج “بروجكت دروداون” أنه سيكون من الصعب تبرير التكلفة لأي مبنى لا يحتاج أيضاً إلى تحديثات أخرى.
الخطوة التالية
تلك “التحديثات الأخرى” قد تكون عنصراً رئيسياً لخطوة الزجاج الذكي التالية. يميل مؤيدو التكنولوجيا إلى الآن نحو الجماليات، لكن أزمة عالمية في الطاقة وتأثير تغير المناخ يوجهان النقاش ناحية الفعالية، خصوصاً في الشركات. يقول دوريا، الذي يعمل في “سيدج غلاس”: “نحن نرى التحول، إذ إن هناك المزيد من الحديث عن التصميم القادر على التكيف مع المناخ. لم نكن نسمع عن ذلك منذ 3 سنوات”.
يتفق روسكام من “أيرايز” مع دوريا. كما يقول: “العملاء يستخدمون منتجاتنا لزيادة شهاداتها الخضراء. يمكنك توليد الطاقة لمبنى كامل ذي زجاج ديناميكي باستخدام لوحة شمسية واحدة”.
المصدر : موقع اقتصاد الشرق