أخبار
استبدال الفريضة بـ”الحج الافتراضى” يروّجه أصحاب “التريندات”.. والفطرة البسيطة تستنكره
أن تسخير التكنولوجيا الحديثة في العبادات والشعائر الدينية لا يتعارض مع صحّة أدائها بل على العكس من ذلك تماما فإنه يُبرز جوانب الإعجاز ويرسِّخ العقيدة فى قلوب ونفوس المؤمنين، وتُساهم في اعتناق ودخول مسلمين جُدُد في الدين الحنيف- دون مبالغة- حينما يكتشفون جوانب علمية حديثة من أداء هذه العبادات.
أوضح أن أداء فريضة “الحج” عن طريق تقنية الذكاء الاصطناعي والميتافيرس يكون أكثر يُسرًا وأمانًا للحاج.
وفيما يلي نص الحوار.
* يُعرف عالمنا اليوم بعصر التكنولوجيا الحديثة، فهل يمكن تسخيرها فى أداء العبادات؟ أم أن هذا يتعارض مع مطلب الخشوع والطُمأنينة فى أدائها؟
**في البداية يجب الإشارة الى أن الإسلام يشجِّع العلم والابتكار، والحضارة الإسلامية هي من أضاءت للعالم أجمع الطريق نحو العديد من الابتكارات والاختراعات في عصرنا الحالي، ولعلّ من أشهرهم العالم أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي كان أول من ابتكر الخوارزميات في القرن التاسع الميلادي والذي تمّ تسميتها نسبة الى اسمه.
فالتكنولوجيا الحديثة التي نعيشها الآن من تطبيقات ذكاء اصطناعي أو برمجيات وغيرها من الاختراعات تعتمد في الأساس على نظرية وعلم الخوارزميات.
ومن هذا المنطلق فإن الإسلام ليس فقط عبادات روحية وعقائدية بل هو رسالة إلى العالمين في كل مناحي الحياة.
وبالتالي فلا يوجد تعارض بين التكنولوجيا وتطوّرها والدين الإسلامي، بل إن المسلمين على مدار التاريخ في طليعة العلماء والمؤثّرين في كافّة مجالات الحياة، ولذلك فإن استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في تيسير أداء الفرائض والشعائر الدينية هو من صميم منهجية الإسلام في تطويع العلوم في خدمة الدين، بشرط ألا تخالف الشريعة وتتوافق مع صحيح الكتاب والسنة.
خدمة الفريضة
*كيف يمكن تسخير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي فى أعمال الحَجِّ؟ وهل هناك خطوات تمّت بالفعل في هذا السياق؟
**بالفعل يمكن الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة الحجّاج وتيسير مناسك الحج وهناك مجهودات كبرى تقوم بها المملكة العربية السعودية للاستعانة بالتطبيقات المختلفة، فقد قامت بمجهود كبير فى تنفيذ العديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تُستخدم الآن لخدمة الحجاج وتساعد في تيسير فريضة الحج ويمكن أن نذكر أهم هذه التقنيات وتوضيحها باختصار.
فتمّ الاستعانة بتطبيقات علم البيانات وعمل أتْمَتَة كاملة لمنظومة الحج تتضمن مراقبة وإدارة إلكترونية لجميع أماكن المشاعر المقدّسة وإطلاق منصّة الكترونية متكاملة توفّر خدمات متنوّعة تبدأ مع تسجيل الراغبين في أداء فريضة الحج عبر المنصّة الرقمية حتى إصدار بطاقة الشعائر الرقمية المخصّصة لكلّ حاج والتي تسهّل عمليات الدخول من المطارات والتفويج والسكن والانتقالات أثناء المشاعر بسهولة ويُسر وتساعد في عمل الإحصاءات وتحليل البيانات الدورية لإدارة حركة الحجّاج منذ وصولهم للأراضي المقدسة وحتى مغادرتهم إلى بلادهم بعد أداء المناسك، وكذلك توفير خدمة “السِوَار الذكي” الذي يرتديه الحاج والذي يحوي كامل المعلومات الشخصية ويتابع المؤشّرات الحيوية والحالة الصحّية للحاج من قياس لمستوى الأكسجين ونبضات القلب والقياسات الحيوية للجسم لمتابعة الحالة الصحية للحجاج على مدار الساعة وتقديم الرعاية الصحية اللازمة في حالة الطوارئ ،وكذلك يدعم “السِوَار” خدمة تحديد الموقع باستخدام الـ GPS لسهولة الوصول للحاج ومساعدته.
وربط هذه الخدمة التقنية مع الكاميرات الذكية المنتشرة في جميع مسارات المشاعر للتعرّف على المفقودين وسهولة تفويج وإدارة الحشود وتتبّع مسارات الشاحنات لمنع التزاحم وتيسير الحركة.
وايضا الاستعانة بالمسيّرات (طائرات بدون طيار) لمراقبة وفحص وتقييم شبكة الطُرق في المشاعر المقدّسة للتأكّد من سلامة هذه الطُرقات وجودتها عَبْر رصد حراري يتيح أيضا فحص الجسور آليًا.
وتقنية طلاء الأسطح الإسفلتية لطُرق المشاعِر المقدّسة لخفض الحرارة، وتبريد المناخ للدرجات المعتدلة في طُرق المشاة الخاصة بالحجاج حيث يسهم الطلاء الأبيض في خفض درجة حرارة السطح بحوالي 30 درجة مئوية.
وخدمة النقل بالحافلات ذاتية القيادة وقطار المشاعر المقدّسة السريع لنقل أكبر عدد من الحجّاج لمسارات المناسك المختلفة منعا للتزاحم والإصابات وتوفير سُبل الراحة للحجاج.
استخدام الروبوت في أعمال الصيانة والنظافة والتعقيم والإرشاد داخل المسجد الحرام وتقديم الدعم للحجّاج بطريقة آلية وترجمة مباشرة لخطبة الوداع لأكثر من ١٠ لغات.
وقد أثمر هذا المجهود الكبير والتوسّع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي بتقديم خدمة أفضل للحجاج وتوفير الراحة والسلامة في جميع مسارات المشاعر المقدّسة.
تكامل لا تنافس
*هل يمكن أن تُدار منظومة الحج بالكامل بدون تدخّل بَشَري في المستقبل؟
**الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا لا تُنافِس البشر بل تساعدهم للقيام بالمهام بشكل أفضل، ولذلك فإن وجود العنصر البشري كمراقب ومطوِّر دائم للخدمات التي تقدَّم للحجاج، وكذلك اتخاذ القرارات المناسبة التي تتماشى مع التغيّرات الطارئة، هو أساسي ولا يمكن الاستغناء عنه.
النظرة المستقبلية
*ما هي نظرتكم المستقبلية للخدمات التي يمكن تقديمها لإدارة موسم الحج؟
**التقنيات والتكنولوجيا التي تطبّق الآن تركّز على منظومة الإدارة والمراقبة والخدمات التي تقدَّم للحجيج، ولذلك أتوقع أن يتم تطوير تطبيقات تساعد الحجيج على معرفة المناسك وكيفية أدائها، وكذلك معاونة الحاج على التأكّد من إتمام الفريضة بالشكل الصحيح عن طريق متابعة وقياس حركات الحاج وتتبّع مساره.
وكذلك إصدار تذكيرات الكترونية بمختلف اللغات بمجرد وصول الحاج لموقع كل مَنْسك. وأتوقع أيضا ان تتم الاستفادة من تطبيقات Chat GPT الذي يتم ربطه بالأسورة الذكية أو البطاقة الإلكترونية للحاج وتوفير مساعِد شخصي بمختلف اللغات لكل حاج يجيب على أسئلته وخصوصا الأسئلة المتعلّقة بالفقه وأداء الفروض أثناء الشعيرة. وكذلك مساعدة مباشرة وفورية للحاج في الوصول إلى الأماكن والخدمات بشكل مُيَسَّر.
الميتافيرس
*وما هي تقنية الواقع الافتراضي أو الميتافيرس؟
**الواقع الافتراضي أو ما يُطلق عليها في الإعلام الميتافيرس، هو الجيل القادم لتكنولوجيا الإنترنت، يعمل على محاكاة افتراضية للواقع الحقيقي سواء في الحاضر أو الماضي أو المستقبل من خلال بيئة ثلاثية الأبعاد ويسمح للمستخدِم بالتفاعل والمُعايشة مع هذا الواقع وكأنّها حقيقة تماما وليس هذا فقط بل يمكِنْه مشاركة التجربة مع آخرين، ومن ضمن هذه التجارب محاكاة الأماكن والأحداث التاريخية ومحاكاة الطبيعة، فمن خلال هذه التطبيقات سيعيش المستخدِم تجربة استثنائية بزيارة المكان بصورة افتراضية ولكنه مثل الواقع تماما، فيستطيع التواصل والتفاعل مع الآخرين بشكل طبيعي ومباشر مثل الحقيقة، وكذلك التواجد ضمن أحداث تاريخيّة في الماضي أو توقّعات في المستقبل وزيارة الفضاء أو الغوص في أعماق البحار وغيرها من الأنشطة أو التجارب التي يصعب أحيانا تنفيذها في الواقع.
الحج الافتراضي
*في الآونة الأخيرة تردَّد كثيرا مصطلح “الحج الافتراضي” عن بُعد أو الحج في عالم الميتافيرس، ما هو تعليقكم على هذا الموضوع؟
**يجب التأكيد على أنه لا يصح أبدا الترويج لمثل هذا الكلام، فالمسلمون بفطرتهم البسيطة يرفضون هذه النظرية ولا يمكن أن يكون الهدف من إطلاق تطبيقات افتراضية هو استبدال الواقع الحقيقي واعتماد الواقع الافتراضي لأداء مهام الحياة أو الفرائض والعبادات فهي تكليف إلهي له أصوله وقواعده.
فالأمر مثل متابعة خطبة وصلاة الجمعة من خلال شاشات التليفزيون ،هل يمكن أن يقبل أي مسلم أن يصلِّي وراء الإمام خلف شاشة التليفزيون؟!
ولذلك أظن أن الهدف من ترديد هذا الكلام هو الإثارة والرغبة في الحصول على شُهرة أى “التريند”، فهو خارج المنطق ويرفضه العقل والفطرة السليمة.
التقنيات الافتراضية
*كيف يمكن الاستفادة من تقنيات الواقع الافتراضي في خدمة الدين الإسلامي وخاصة مشاعر الحج؟ وهل هناك ما يمكنكم تقديمه في هذا المجال؟
**كما شرحت سابقا أن هدف تطبيقات الواقع الافتراضي هو تقريب الواقع من خلال المحاكاة والتفاعل كأنّك في الحقيقة تماما، فنحن بالفعل قُمنا بتطوير نموذج محاكاة افتراضي للمسجد الحرام والكعبة المشرّفة يسمح هذا التطبيق الافتراضيّ للمسلمين في جميع أنحاء العالم بزيارة المسجد الحرام افتراضيا والتجوّل داخل المسجد كما في الواقع تماما ،وليس هذا فقط بل يمكنه خوض تجربة استثنائية بزيارة الكعبة المشرّفة من الداخل والتعرّف على موضع سجود سيّدنا النبي محمد- عليه الصلاة والسلام- وهذه تجربة غير متاحة في الواقع، ويهدف هذا التطبيق الافتراضي لشرح مناسك الحج والفرائض والشعائر ليتعرّف عليها الحاج ويمارسها بشكل واقعي حتى يتمكّن من أدائها في الحقيقة بشكل مُتقن. وكذلك التعرّف على عمارة المسجد الحرام وتاريخ بناء الكعبة على مدار العصور ،ويمكن لمستخدمي التطبيق التواصل والتفاعل فيما بينهم وكأنهم في الحقيقة تماما.
وقُمنا أيضا بتطوير تجربة افتراضية لزيارة المسجد النبوي الشريف والمسجد الأقصى لنوفّر للمسلمين حول العالم وخاصة الأطفال والمقيمين في الدول الأوروبية والأجنبية وسيلة هادفة لتعرِّفهم المشاعر الإسلامية بالشكل الصحيح.
وهناك أيضا تطبيق محاكاة افتراضية للسيرة النبوية الشريفة لتكون رحلة إيمانية تعليمية متكاملة عن سيرة النبي لتوثيق وشرح السيرة بشكل مبسَّط دون مغالاة أو تفريط باللغات المختلفة وكأنك تعيش مع الصحابة بشكل واقعي وتفاعلي.
تعاون مشترك
* هل يوجد تعاون مشترك بينكم وبين المؤسّسات الدينية المختلفة في هذا المجال؟
** المؤسّسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف يواجهون تحديات كُبرى لتوجيه رسالتهم الوسطية في ظلّ انتشار منصّات التواصل الاجتماعي وما ترتّب عليها من ابتعاد الشباب عن الدين وانتشار ظواهر مجتمعية خطيرة مثل الإلحاد والتطرّف وغيرها، ولذلك فإن مواكبة التطوّر ومخاطبة المجتمع بشكل مبسّط وتفاعلي سيُسهم كثيرا في معالجة القضايا التي يصعب على بعض المسلمين فهمها، واستخدام المحاكاة البصرية التفاعلية سيزيد من اليقين والعقيدة ويغلق الأبواب أمام هذه الظواهر الخبيثة، فعلى سبيل المثال وبمناسبة الحديث عن فريضة الحج، الكعبة المشرّفة لها تاريخ طويل مرّت فيه بمراحل عديدة وتغيّر شكل البناء عَبْر العصور، فعند القيام بمحاكاة تفاعلية موثّقة سيزيد من ارتباط المسلمين بهذا الركن العظيم ويجعلهم أكثر إيمانا بشعيرة الحج.
ونحن نرحّب بالتعاون مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية ونشاركهم رسالتهم العظيمة في التعريف بالإسلام الوسطي المتسامح الذي يدعو لبناء مجتمعات تنشر السلام والمساواة وتؤمن بالتعدّدية واحترام حقوق الإنسان ونبذ التعصّب من خلال محاكاة لنماذج من الحضارة الإسلامية وسيرة الأنبياء والصحابة الكرام وإسهاماتها في تاريخ البشرية. فمصر على مدار تاريخها هي منارة الإسلام والريادة وهناك مجهود كبير تقوم به المؤسّسات الدينية الإسلامية لتجديد الخطاب الديني واستخدام التكنولوجيا الحديثة في نشر الدعوة ولذلك نتمنّى أن نصبح جزءًا من هذا التطوّر.
الاستفادة الملموسة
*وكيف يستفيد المسلمون من تطبيق منظومة الذكاء الاصطناعى فى حياتهم التعبُّديّة؟
**هناك البعض الذين يشكِّكون فى العقيدة، سواء لأهدف الإلحاد أو التعصّب أو غيرها، ويتساءلون بخُبْثٍ: لماذا يطوف الحجّاج حول الكعبة؟ وما معنى تقديس الحجر؟ أو الحركات غير المنطقية مثل الطواف حول الكعبة؟! أو الأشواط السبعة بين الصفا والمروة؟!
وبالفعل قد لا يكون لدى كثير من المسلمين القُدرة على الردّ والتفنيد، ولكن حينما نطبِّق نظام المُحاكاة للتاريخ الخاص بشعيرة الحجّ من بداية وصول سيّدنا إبراهيم ومعه السيّدة هاجر وابنهما إسماعيل- عليهم السلام- إلى هذا المكان، وقصّة بحثها عن مصدر المياه، وأيضا قصّة تسمية جبل عرفات بهذا الاسم؟ باعتباره مكان التقاء سيّدنا آدم بالسيّدة حواء بعد نزولهما من الجنّة إلى الأرض، وغيرها من الشعائر، فنظام المُحاكاة يجعل المسلم يعرف الأمور بشكل أكثر عُمقًا، حتى بناء وشكل الكعبة الحالى فقد تغيّر على مدار التاريخ، وكلّ تغيُّر له قصّة وحكاية، وبدلا من سَرْدِها شَفَاهة، فعندما يراها المسلم “مُحاكاة افتراضية” فهذا يساعد على تثبيت الإيمان والعقيدة بشكل كبير.
ولدينا جزء آخر مهم، مثل محاكاة بعض قصص الصحابة رضوان الله عليهم فى التسامح والعدل والرفق وغيرها من الصفات الإسلامية الحميدة، وبذلك تصل الرسالة واضحة وموثَّقة للمسلم وبأكثر من لُغة، فهذه هى الفكرة الجوهرية فى كيفية استفادة المسلم من تقنية الواقع الافتراضى ببساطة فى كل الفرائض الدينية والشعائر بحيث تصبح كواقع يعايشه وبالتالى يسهل عليه تطبيقه فى حياته العملية.