يدفع ارتفاع درجات الحرارة التي يشهدها كثير من المناطق حول العالم إلى ابتكار حلول للعاملين في بيئات ذات درجات حرارة عالية، سواء في الداخل أو الخارج، ليس لضمان راحتهم فقط، بل للحفاظ على الصحة والسلامة.
ولمواجهة هذا التحدي المُلح، ابتكر فريق من الباحثين بقيادة الدكتور داهوا شو، الباحث في تقنيات المنسوجات المتقدمة وأستاذ مشارك في كلية الأزياء والمنسوجات بجامعة هونغ كونغ للفنون التطبيقية ملابس روبوتية ناعمة وفريدة من نوعها. تتميز بكونها معزولة حرارياً وقابلة للتنفس. كما يمكنها التكيف تلقائياً مع درجات الحرارة المحيطة المتغيرة. يحمل هذا الابتكار القدرة على تحسين سلامة وراحة العمال المعرّضين للحرارة الشديدة بشكل كبير.
تحدي التنظيم الحراري
يُعد الحفاظ على درجة حرارة الجسم مستقرة أمراً حيوياً في أي بيئة، ولكنه يصبح تحدياً بشكل خاص في درجات الحرارة العالية. إن التعرض للحرارة لفترات طويلة قد يؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة، مما يؤدي إلى الإجهاد الحراري، وتفاقم كثير من الحالات الصحية، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري ومشاكل الجهاز التنفسي. كما يمكن للحرارة الشديدة أن تزيد من خطر انتقال الأمراض المعدية.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، توفي ما يقرب من 489 ألف شخص سنوياً بسبب ارتفاع الحرارة بين 2000م و2019م. نصفها في آسيا ونسبة كبيرة في أوروبا. وتؤكد هذه الإحصاءات على الحاجة الملحة إلى ملابس حرارية واقية وفعالة، خصوصاً لرجال الإطفاء وعمال البناء الذين يتعرضون بشكل روتيني للحرارة الشديدة.
الملابس الروبوتية الناعمة
لمعدات الحماية الحرارية التقليدية قيود، وذلك بسبب مقاومتها الحرارية الساكنة. في الظروف المعتدلة، يمكن أن تسبب هذه المعدات ارتفاع درجة الحرارة وعدم الراحة، بينما في المواقف القصوى، قد لا يوفر عزلها الحماية الكافية.
لمعالجة هذه التحديات، طور الدكتور شو وفريقه نظام ملابس روبوتية ناعمة ذكية توفر التكيف الحراري الديناميكي والعزل الفائق في البيئات الحارة.
مستوحاة من الطبيعة، خصوصاً التنظيم الحراري التكيفي الذي نراه في طيور الحَمَام، تحاكي ابتكارات الفريق كيفية نفخ الحَمَام لريشه لحبس الهواء والاحتفاظ بالدفء. تستخدم الملابس الواقية نسيجاً آلياً ناعماً مصمماً لإدارة الحرارة الديناميكية. يشتمل هذا النظام على محركات ناعمة – مصممة مثل الهيكل الخارجي البشري – تحتوي على سائل غير سام وغير قابل للاشتعال. عند تعرضه لدرجات حرارة مرتفعة، يتحول السائل من سائل إلى غاز، مما يتسبب في تمدد المحركات. يزيد هذا التمدد من سمك النسيج، مما يخلق فجوات هوائية تضاعف المقاومة الحرارية، وتعزل مرتاديها بشكل فعال.
الميزات والفوائد المتقدمة
تقدم الملابس الآلية الناعمة التي طورها فريق الدكتور شو كثيراً من المزايا الرئيسية مقارنة بالملابس التقليدية المقاومة للحرارة. جدير بالذكر أن قدرتها على الحفاظ على درجات حرارة السطح الداخلي أقل بمقدار 10 درجات مئوية على الأقل من الملابس القياسية، حتى عندما تصل درجات الحرارة الخارجية إلى 120 درجة مئوية. يعزز هذا الانخفاض الكبير في نقل الحرارة راحة وسلامة مرتديها في الظروف القاسية.
المادة المستخدمة في الملابس مصنوعة من مادة البولي يوريثين الحرارية، وهي ليست ناعمة ومتينة فحسب، بل إنها أيضاً صديقة للبشرة. وعلى عكس الملابس الأخرى المستجيبة لدرجة الحرارة والتي تعتمد على سبائك الذاكرة الشكلية، فإن هذا القماش قابل للتنفس ومرن وقابل للتعديل، مما يجعله مناسباً لمجموعة واسعة من التطبيقات.
وأثبتت المحركات الناعمة أنها شديدة المرونة، ولا تظهر أي علامات تسرب بعد اختبارات الغسل الصارمة. تعمل بنية الحياكة المسامية والمتباعدة للقماش على تقليل انتقال الحرارة بالحمل الحراري مع الحفاظ على قابلية عالية لنفاذ الرطوبة، مما يضمن بقاء الملابس مريحة حتى في البيئات الصعبة.
من المهم أن هذه الملابس المبتكرة لا تعتمد على مصادر الطاقة الخارجية، مثل الرقائق الحرارية الكهربائية أو أنظمة التبريد السائلة الدائرية، لتنظيم درجة الحرارة. بدلاً من ذلك، تتكيف بشكل مستقل مع التغيرات البيئية، مما يوفر حلاً خفيف الوزن وكفؤاً في استخدام الطاقة للتنظيم الحراري.
التطبيقات والإمكانات المستقبلية
يتصور الدكتور شو مجموعة واسعة من التطبيقات لهذه الملابس الروبوتية الناعمة القابلة للتكيف. وبالإضافة إلى استخدامها في البيئات ذات درجات الحرارة المرتفعة، يمكن تطبيق هذه التكنولوجيا على الملابس الرياضية والسترات الشتوية وملابس الرعاية الصحية ومعدات الهواء الطلق. كما أن لديها القدرة على المساهمة في ممارسات البناء المستدامة من خلال توفير عزل قائم على المنسوجات يتكيف مع درجات الحرارة المتغيرة، وبالتالي تقليل استهلاك الطاقة.
في المستقبل، يعمل الدكتور شو وفريقه على توسيع أبحاثهم لتطوير سترات قابلة للنفخ وقابلة للتنفس وملابس دافئة للبيئات ذات درجات الحرارة المنخفضة. وقد يكون هذا الابتكار مفيداً بشكل خاص للأفراد الذين تقطعت بهم السبل في ظروف باردة، حيث يساعدهم في الحفاظ على درجة حرارة الجسم آمنة حتى يتم إنقاذهم.
المصدر / الشرق الأوسط