برمجيات
للمرة الأولى: علماء يطورون بلورات نانوية دقيقة تحيل الظلام لنور!
ذلك المشهد مألوف للغاية في أفلام الحركة: فرقة التدخل السريع تتسلل إلى البناية لتحرير الرهائن أو تأمين مبنى يحوي قنبلة بيولوجية أو اقتناص وحش فضائي أحب كوكب الأرض لتفضيله لحوم البشر. المبنى غارق في الظلام من الداخل، لكن بفضل نظارات الرؤية الليلية التي يرتديها أفراد الفرقة، استحال الظلام المخملي إلى غبشة خضراء يمكن تمييز الموجودات بها. بالطبع سيقضون نحبهم جميعًا بعد دقائق قليلة بلا أدنى تعاطف منك لأنك تهتم فقط ببطلك المفضل الذي لم يظهر بعد، ولأن المخرج قد همّش كينونة الأشخاص الآخرين بحيث أنك لا تتذكر وجوههم حتى. من الصعب أن تتعاطف مع أشخاص مدججين بالسلاح يخفون وجوههم وراء مناظير رؤية متطورة حتى أن عقلك سيتجاهل مقتلهم بسرعة وأريحية تشابه تلك التي تخبرها مع مقتل الأشرار الثانويين طيلة الفيلم!
الوجه هو أهم ما يميز البشر؛ ربما لأنه الجزء الوحيد في جسدنا الذي لا نغطيه بملابس أو نستره بأقنعة. وعلى قدر ما تبدو القدرة على الرؤية في الظلام مثيرة، إلا أن المناظير المقترنة بهذه القدرة تبدو ثقيلة مرهقة وغير عملية في الحياة الطبيعية. دعك من أنك ستضطر إلى تبديلها متى كان هناك ضوء حولك وإلا لن ترى شيئًا على الإطلاق!
إلا أن هذا على وشك التغير مستقبلًا، بعدما أعلن فريق من العلماء في أستراليا وللمرة الأولى عن ابتكار بلورات ثني ضوء نانوية light-bending nano crystal أرق وأرفع بخمسمائة مرة من شعر الإنسان! وداعًا إذن لنظارات الرؤية الليلة الثقيلة الضخمة التي لا تجعلنا نتعاطف مع ضحايا القوات الخاصة!
لكن الأمر المثير هنا حقًا هو أنها لن تكون مجرد زوج من النظارات التي ترتديها متى اختفت الأضواء وتخلعها مجددًا متى عادت؛ وإنما سيتم “دمج” هذه البلورات أو العدسات في النظارات العادية كطبقة نانوية شديدة الرقة والخفة. أي أننا نتحدث عن نظارة شمسية “معكوسة” هنا! فكما تستطيع الرؤية بالنظارة الشمسية في الظل كما في الضوء الساطع، سيمكنك الرؤية بالعدسات الليلية الجديدة في الضوء العادي كما في الظلام الدامس!
يقول دراجومير نيشيف Dragomir Neshev، قائد الفريق البحثي وراء هذا الابتكار في جامعة أستراليا المفتوحة:
ما توصلنا إلى صنعه هو بلورة دقيقة للغاية يمكن إضافتها كطبقة شديدة الرقة والخفة لنظارات العين التقليدية لتمكين الرؤية الليلية لمن يرتديها. هذه البلورة الثورية يمكنها “تغيير خصائص الضوء” المار عبرها، وليس مجرد تبديل صبغة أو استقطاب على مستوى واحد كما تفعل النظارات المستقطبة الحالية التي تحد من تشعشع ضوء الشمس، ما يجعل الرؤية أوضح حتى في الضوء الساطع.
بدلًا من هذا، تقوم البنية النانوية المبتكرة لهذه البلورة الجديدة بتغيير الضوء على ثلاثة مستويات أساسية: كثافة (حدة) الضوء، شكل الضوء، ولون الضوء. هذه المستويات الثلاثة جميعها تعني أن العدسة يمكنها التقاط درجات منخفضة للغاية من الضوء، كما هو الحال عندما يحل الليل أو في الأماكن المظلمة، ثم تعزيز تلك الدرجات إلى الحد المرئي للعين البشرية.
وبالإضافة إلى مساعدتها في صنع الجيل القادم من عدسات الرؤية الليلية، فإن هذه البلورة الثورية يمكن استخدامها للتلاعب بالضوء واستغلاله في الكثير من التطبيقات الأخرى المفيدة. فعلى سبيل المثال، يمكن صنع الأشكال والرسوم المجسمة على أوراق النقد باستخدام هذه البلورات التي تثني الضوء، مما يجعل تزييف أوراق المال أكثر صعوبة، إن لم يصبح مستحيلًا!
يمكنكم معرفة المزيد عن بلورات النانو الجديدة وطريقة عملها في مقطع الفيديو التالي…
هذه هي المرة الأولى التي يستطيع فيها أحدهم تحقيق مثل هذا الإنجاز العلمي، لأنه من المعروف مدى صعوبة دمج شبه موصل نانوي في مادة شفافة!
عن نفسي لا أطيق الانتظار حتى انتشار هذه التقنية الرائعة وتطبيقها على المستوى التجاري؛ لكن هذا قد يستغرق الكثير من الوقت بعد حيث ستقتصر في المستقبل القريب على التطبيقات العلمية والعسكرية البحتة نظرًا لارتفاع تكلفة الانتاج في البداية. مع هذا، فالأمر يستحق الانتظار تمامًا. زوج عادي بريء المنظر من العدسات الشفافة في نظارتك التقليدية لكنها تخفي قدرة سرية ستقدر وجودها متى انقطعت الطاقة عن البناية أو ذهبت للتخييم في الصحراء.