سلايد 1طب

علماء يستمعون لأول مرة إلى مرضى الشلل الكلي بجهاز يقرأ عقولهم!

هل سبق وشاهدت فيلم قناع الغوص والفراشة Le Scaphandre et le Papillon؟ إن لم تفعل، أنصحك بمشاهدته بشدة في أقرب وقت؛ وستشكرني على هذا لاحقًا!

18765089

الفيلم يصف حياة بوبي بعد معاناة من سكته قلبية وجلطة دماغية في سن 43، والتي أصابتة بحالة تعرف باسم Locked-In syndrome أو متلازمة المُنحبس. الحالة شلته ؛ ولم تترك له سوى وسيلة وحيدة للتواصل مع العالم الخارجي وهي أن يرمش بجفن عينة اليسرى فقط!

متلازمة المنحبس Locked-in syndrome هي حالة مرضية تعرف أيضًا باسم Lou Gehrig’s Disease، ويكون فيها المريض في حالة استيقاظ ووعي ولكنه غير قادر على التواصل الشفهي مع الآخرين بسبب كونه في حالة شلل كامل لكل عضلاته الإرادية عدا عضلات العينين. لكن الأمر يكون أسوأ بكثير مع متلازمة المنحبس التام التي تمثل حالة أشد يفقد فيها المريض حتى قدرة التحكم بالعينين للأسف!

EyeTrackingDisability

على الرغم من الضحكة الرائعة على وجه الملاك بالأعلى، فالحالة مأساوية تمامًا يكاد يشعر المرء بأن روحه ستزهق لمجرد التفكير بها، فما بالك بمن يخوض تلك التجربة المريعة! هكذا، قد نعتقد أن المصابين بها لا يفكرون إلا في الموت للخلاص، لكن تلك الفكرة قد تغيرت تمامًا مع الجهاز الثوري الأخير الذي توصل به العلماء لقراءة ما يفكر به العقل.

وبالطبع فكرت في حالة الأسطورة الحية ستيفن هوكنج، عالم الفيزياء الأشهر، مع الجهاز الثوري الذي يستخدمه لمنحه صوتًا يخاطب به الجماهير أحيانًا ويؤلف به الكتب أحيانًا أخرى. إلا أن حالة هوكنج مختلفة عما نتحدث عليه هنا. هوكينغ مصاب بمرض التصلب العصبي الجانبي ALS Amyotrophic lateral sclerosis وهو مرض مميت لا علاج له، ويسبب ضمور الجهاز العصبي بسبب ضمور الأعصاب الحركية والخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي التي تتحكم في حركة العضلات الإرادية. لكن على الرغم من آثار هذا المرض اللعين الكارثية، إلا أنه لا يثبب شلل تام لكافة عضلات الجسم دائمًا، حيث عادة ما تنجو العضلات العاصرة للأمعاء والمثانة والعضلات المسؤولة عن حركة العين ما تنجوا من هذا التأثير. وهذا هو ما حدث مع هوكنج.

imrs.php

فبالتعاون مع العملاقة إنتل، يحمل كرسي هوكينغ المتحرك جهاز حاسوب يُمكنه من الكتابة على الشاشة من خلال جهاز يعمل كمستشعر مثبت على نظارة ستيفن ويقوم بترجمة الإشارات المنبعثة من “عضلات خدّه” إلى أوامر يقوم من خلالها باختيار الكلمات على الشاشة لتكوين الجمل، ويقوم الحاسوب بدوره بتحويل هذه الجمل إلى صوت! شيء مدهش، أليس كذلك؟ إلا أن هذا الجهاز الرائع لا يجدي للأسف مع متلازمة المنحبس التام، لأنه حتى عضلة الخد أو الرموش مشلولة هي الأخرى.

لكن ذلك الوضع المأساوي على وشك أن يتغير إلى الأفضل مع توصل العلماء والباحثين في أوروبا إلى جهاز بواجهة ثورية تربط العقل بالحاسب وتجربته بالفعل على أربعة مرضى بمتلازمة المنحبس التام فقدوا القدرة على التحكم بكافة العضلات الإرادية، سواء نتيجة مرض Lou Gehrig’s Disease أو ALS.

Locked-in device

<

تم تصميم الجهاز الرائع من قبل عالم الأعصاب الشهير نيلز بيربومر Niels Birbaumer، وتتم تجربته في معهد أبحاث ويس للهندسة البيولوجية والعصبية في جنيف، سويسرا Wyss Center for Bio and Neuroengineering in Geneva. حيث يتم وضع غطاء أشبه بقلنسوة السباحة على رأس المريض ومن ثم قراءة وقياس الموجات الكهربية المرسلة من المخ وكذلك تدفق الدم واجهة الجهاز، وهو الأسلوب نفسه المعروف باسم التحليل الطيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة المنبثقة Near-infrared spectroscopy.

تتساءلون ماذا كانت إجابة المرضى الأربعة قيد الاختبار؟

بسؤالهم: هل تحبون الحياة؟ أجاب ثلاثة منهم بـ “نعم”. نقطة.

وبسؤالهم: هل تشعرون بالسعادة؟ أجابوا جميعًا أن أجل. ولم يسألوا المريضة الرابعة التي تبلغ من العمر 23 عامًا فقط أي أسئلة مفتوحة لأن والديها خشيا عليها من فرط التأثر الذي بدا في لمعان عينيها! هذا يحطم القلب بالفعل…

locked-in-device_1024

وللتأكد من أن المرضى الأربعة يتواصلون معهم بالفعل، وأنهم لا يتلقون إجابات خاطئة أو إشارات مضللة، قام بيربومر بسؤال المرضى على مدار 10 أيام كاملة بالإجابة بنعم أو لا على عدد من الأسئلة الشخصية والعبارات الخاطئة مثل “أنت ولدت في برلين” أو “باريس هي عاصمة ألمانيا”، ومقارنة أفكارهم المسجلة بأنماط إشارات المخ وتدفق الدم المتغيرة. والمدهش أن الإجابات التي تلقونها كانت ثابتة بنسبة 70% طيلة الوقت، مما يزيل الشكوك بأن تلك الإشارات والإجابات المترتبة عليها ليس عشوائية وإنما واعية.

كان وقع هذا على الأباء والأقارب كاسحًا. فبعد صمت دام سنين طويلة مؤلمة، أصبح بمقدورهم معرفة إذا ما كان المحبوسون بلا حراك يتمنون الاستمرار بالحياة أم لا

ولا تقتصر أهمية ووظيفة الجهاز الجديد على التواصل مع مرضى متلازمة المنحبس التام فحسب، وإنما يمكن استخدامه كأدة تشخيصية لتحديد إذا ما كان المريض واعيًا أم لا، وفقًا لد. بيربومر الذي يقول أن هناك الكثير من الحالات التي يتم تشخيصها بشكل خاطيء على أنها غيبوبة تامة. ويأمل أن تتطور هذه التقنية للسماح للمرضى المحبوسين باختيار حروف مستقبلًا  للتواصل فيما أبعد من مجرد الإجابة على أسئلة نعم ولا.

أيها الأحبة … تماسكوا، صار بإمكاننا أن نسمعكم!

إغلاق