برمجياتتحقيقات وتقارير

كيف يكتشف اليوتيوب الفيديوهات التي تعجبنا ؟ (نظام التوصيات والاقتراحات)

ما أن تفتح الصفحة الرئيسية لموقع اليوتيوب حتى تظهر لك الكثير من الفيديوهات المغرية التي يصعب عليك مقاومتها، بعض تلك الفيديوهات ليست قادمة من القنوات المشترك بها أنت، بل هي فيديوهات من قنوات جديدة يعرضها عليك اليوتيوب لضنه انك قد تكون مهتماً بها، تلك المجموعة من الفيديوهات تتشكل بحسب اهتماماتك التي يعرفها عنك نظام التوصيات بداخل الموقع ثم يقدم لك المحتوى الأنسب لك، فعبر سجل التصفح والمشاهدة ومحددات أخرى يحاول النظام استكشاف أي المحتوى هو الأكثر ملاءمة لك، ثم يقدم لك أشهر وأبرز الفيديوهات في ذلك المجال، أما كيفية اختيار الفيديوهات ومعرفة الأفضل، فهذا يعتمد على خوارزميات متعددة تحاول استكشاف المحتوى الجيد داخل المنصة.

لنفرض مثلاً أنك مهتم بفيديوهات مراجعة الحواسيب وأجهزة اللابتوب، فقد تقرر أن تشتري جهاز لابتوب جديد، لذلك أنت منهمك خلال أيام في البحث عن تلك الأجهزة ومعرفة مواصفاتها ومراجعات المستخدمين لها، بعد عدة أيام ستلاحظ أن اليوتيوب بدأ يقدم لك اقتراحات (في الصفحة الرئيسية وفي المستطيل الجانبي) عن فيديوهات متعلقة بأجهزة اللابتوب، وستكتشف أن تلك الفيديوهات جيدة ومميزة وقد تكون ما تبحث عنه أنت، وفي الأخير ستشكر اليوتيوب على إيصالك لذلك المحتوى المرئي الدسم.

مثال آخر: لو أنك بدأت تهتم بالسباحة مثلاً (أو أي مهارة أخرى تريد ان تتعلمها) سوف تشاهد بعض الفيديوهات اليوم وغداً حول تكنيكات السباحة، ستتعرف على بعض القنوات القليلة المهتمة بهذا المجال، ثم تبدأ الفيديوهات في الظهور من تلقاء نفسها في اليوم الثالث والرابع، حتى تغرق الصفحة الرئيسية لديك بعد ايام بفيديوهات السباحة وتعلم السباحة، وتكتشف أن هنالك الكثير من المحتوى الجيد والقنوات المتخصصة في السباحة والتي لم تتمكن من الوصول إليها بنفسك عبر خاصية البحث، لكنها وصلت إليك عبر نظام التوصيات (Recommendation System)

ستعطي هذه المقالة نظرة عامة لكيفية عمل نظام التوصيات الذي يدير عملية إيصال المحتوى المتجدد داخل اليوتيوب للمستخدمين، فهذا النظام هو ما يجعل اليوتيوب مكان مغري للبقاء فيه ويبقى المستخدم أطول فترة ممكنة داخل المنصة، هو مفيد ومهم بالنسبة لليوتيوب ولصناع المحتوى الذين يودون أن تصل فيديوهاتم إلى أكبر عدد ممكن من المشاهدين، كما أنه مفيد أيضاً للمستخدم (المشاهد) العادي، الذي يساعده النظام في الوصول إلى المحتوى المميز والمناسب والذي فُصِّل على مقاسه هو.

نظام التوصيات في اليوتيوب

بشكل عام؛ نظام التوصيات هو مجموعة من الخوارزميات البرمجية التي تعمل داخل أي منصة، وهو مسؤول عن استكشاف المحتوى المناسب للمستخدم ثم يقوم بإيصاله إليه (بدون إسداء الطلب منه)، بمعنى أنه يقدم للمستخدم محتوى مفصل على مقاسه، لذلك فعندما يقوم شخصين بالدخول إلى نفس الصفحة، فسوف يشاهد كل شخص محتوى مختلف، رغم أن الصفحة هي ذاتها لم تتغير، طبعا هذا يتم في المواقع الديناميكية ذات المحتوى المتغير، وبشكل أخص هو نظام مهم لشبكات التواصل الاجتماعية.

يهتم القائمون على منصة اليوتيوب بنظام التوصيات داخل المنصة، فهي تساعد على بقاء المستخدم أطول فترة ممكنة داخل الموقع، ومعروف أن بقاء المستخدم أطول يعني تدفق مال أكثر، فكلما تنقل بين الفيديوهات كلما تعرض لإعلانات أكثر وحصل الموقع على بعض المال الإضافي، لذلك فهم يطورون هذا النظام منذ سنوات، لكنه في السنوات الأخيرة تغير بشكل كبير وأصبح أكثر متانة وصلابة.

نشر باحثو ومهندسو قوقل ورقة بحثية عام 2010 عن نظام التوصيات في اليوتيوب وكيف يعمل، لكن الأمور تغير كثيراً منذ ذلك الحين، وقد تطور هذا النظام بشكل كبير، لذلك فقد نشرت قوقل أيضاً ورقة بحثية أخرى في السنة الماضية (2016) عن هذا النظام وكيف يعمل، وقد دار نقاش حول نظام التوصيات في اليوتيوب في موقع (quora) الشهير، وكُتِبَت عنه عدة مواقع ومتخصصون.

ماذا تشاهد وعن ماذا تبحث؟

أنت تخبر النظام ماهو المهم بالنسبة لك، ليس بمجرد مشاهدة فيديو واحد، لكنه يتتبع مسار المشاهدة والبحث حتى يتعرف على أحد اهتماماتك، بالطبع كل شخص له اهتمامات متعددة، فأنت قد تشاهد اليوم فيديوهات كرة القدم وغداً تشاهد بعض مقاطع الكاميرا الخفية، لكن الفيديو التالي الذي تشاهده في نفس الجلسة سيكون له التأثير الأكبر على معرفة أحد اهتمامتك، إن شاهد مثلاً فيديو عن كرة القدم فقط ثم رحلت فهذا لا يعني أنك مهتم بهذا المجال، النظام يفهم ذلك، لذلك هو يتتبع المسار الطويل وليس فقط مجرد فيديو عابر تشاهده بالصدفة

ليست فقط عدد الفيديوهات التي تشاهدها في نفس المجال، بل أيضاً الوقت التي تقضيه في كل فيديو، فهل تشاهد الفيديو إلى نهايته، أم تقطع المشاهدة في المنتصف وترحل، فمن يشاهد الفيديو إلى نهايته ويكرر هذا السلوك في عدة فيديوهات في نفس المجال، فهذا له دلالة واضحة أنك شديد الاهتمام بهذا المجال وبتالي النتائج ستكون مختلفة.

أما كيف يحدد النظام أي الفيديوهات هي المرتبطة بالموضوع نفسه، فهذا يتم بناءً على بناء شبكات عصبونية اصطناعية (Neural Network) بين الفيديوهات نفسها (يمكن معرفة المزيد عن هذا العلم عبر النقر هنا)، وذلك بالإستعانه بالمعلومات الظاهرة (مثل إسم الفيديو والوصف والكلمات المفتاحية) أو بالبيانات الباطنة التي يستنتجها النظام عبر سلوك المستخدمين وتفاعلهم مع المحتوى (ماذا يشاهد تالياً وعن ماذا يبحث في نفس الجلسة …الخ).

هذا الشكل مأخوذ من الورقة البحثية التي تشرح طريقة عمل نظام التوصيات في اليوتيوب، وهي توضح أن عملية اختيار الفيديوهات المناسبة للمستخدم تتم عبر مرحلتين، الأولى تسمى (Candidate Generation) وفيها يتم اختيار فيديوهات مرشحة لكن عددها يكون بالمئات، لذلك تمر بالمرحلة التالية التي يتم فيها تقييم الفيديوهات وترتيبها لعرض الأفضل منها على المستخدم.

مرحلة تقييم الفيديوهات

في المثال السابق الخاص بفيديوهات تعلم السباحة، من الوارد جداً أن هنالك عشرات الآلاف من الفيديوهات في اليوتيوب التي تهتم بهذا المجال، فكيف يختار اليوتيوب تلك الفيديوهات بالتحديد لعرضها عليك؟ بمعنى: كيف يعرف أي الفيديوهات هي الأكثر تميزاً من بين جميع الفيديوهات المتعلقة بالسباحة؟

هذا ما يتم في المرحلة الثانية بالتحديد، مرحلة التقييم (Ranking) ففيها يحاول النظام معرفة الفيديوهات الأكثر تميزاً، وذلك عبر عدة عوامل، منها معدل استبقاء المشاهدين في الفيديو، بمعنى: الفيديو الذي يشاهد معظم المستخدمين أوله فقط ثم يرحلون هو فيديو لا يستحق أن يكون مميزاً، قد يكون العنوان مغري أو الصورة المصغرة جذابه، لكن المحتوى (كلام فارغ)، أما الفيديو الذي يستمر المشاهد فيه حتى نهايته أو قرب نهايته، فبالتأكيد هو فيديو مميز، ويستحق أن يكون في أعلى القائمة ومن أكثر الفيديوهات التي يوصيها النظام إلى المستخدمين الآخرين المهتمين بنفس المجال.

هنالك عوامل أخرى تساهم في تقييم الفيديوهات واختيار الأفضل منها، مثل مقدار المشاهدات التي حصل عليها في أول انطلاقه، وهذا يعني أن القناة يجب أن يكون لديها عدد جيد من المشتركين حتى يحصل الفيديو على عدد كاف من المشاهدات كي يدخل الفيديو في (قائمة المميز) أو يجب على صاحب القناة أن ينشر الفيديو في بداية انطلاقته عبر طرق أخرى مثل اعلانات فيسبوك أو غيرها من الطرق، وأيضاً معدل النقر على الفيديو من قبل مستخدمين آخرين عبر اختبار (A/B)، وهذا يعني أن صورة وإسم الفيديو له أهميته لكي يصبح الفيديو موصى به من قبل النظام، وغيرها من العوامل.

تطوير مستمر

في الفيديو التالي يوجه المحاور السؤال الذي يدور في عقول معظم صانعي المحتوى المرئي في اليوتيوب، الا وهو كيف يمكن أن يصل الفيديو إلى قائمة التوصيات في الصفحة الرئيسية أو حتى العمود الجانبي، ماهي العوامل التي تساهم في صعود الفيديو وانتشاره عبر نظام التوصيات؟ أسئلة يجيب عليها أحد مهندسي يوتيوب المتخصصين في هذا المجال، لكنه لا يجيب بشكل مفصل ولا يعطي أسرار المنهة للعامة، لكنه يعطي محددات عامة.

التغيير والتطوير المستمر هو ما يمكن أن تستنتجه من المقابلة السابقة، هنالك تطوير مستمر لآلية ظهور الفيديوهات والتوصيات التي تساهم في نشر المحتوى وتوصيل المشاهد بالفيديو المناسب.

ختاماً

كانت تلك مقدمة بسيطة عن آلية عمل (نظام التوصيات) في اليوتيوب، وعبر السطور السابقة، وضعت لك روابط المصادر التي يمكنك الاستزادة منها، فموضوع (Recommendation Systems) من الموضوعات الواسعة والمتشعبة، وفيه تنشر الأبحاث وتكتب رسائل الماجستير والدكتوراه، كما أن هنالك الكثير من المحتوى (الإنجليزي) المفيد في هذا المجال لكل من يريد إثراء معرفته وزيادة معلوماته عن هذا العلم.

إغلاق