أخبارابتكارات

شركة ناشئة سويسرية تبني أجهزة تدريب طيارين باستخدام الواقع الافتراضي

كان المشهد جميلًا وأنا أحلق في وادٍ في جبال الألب السويسرية في طائرة هليكوبتر من طراز روبنسون R22. وما لبثت أن وجدت جبل ماترهورن أمامي. انحرفت الطائرة الهليكوبتر بشدة إلى اليمين، وصرت أتصبب عرقًا وأنا أجد الطائرة تنحدر إلى الأسفل.. ثم تعطل المحرك.

سمعت صوتًا في سماعة الرأس الخاصة بي يهتف: “أنت تهبط بسرعة”، ويعطي تعليمات سريعة لضبط زاوية دوران المحرك بحيث يحافظ تدفق الهواء الناتج عن الهبوط السريع على دورانها، قبل أن تعود إلى الدوران مرة أخرى وأنا أهوي ناحية الأرض. وانتهت محاولتي للهبوط الاضطراري بصدمة مروعة وظلام.

منظور جديد

يقول الباحث في سلامة المروحيات في إدارة الطيران الفيدرالية، كليف جونسون، وهو يغير المنظر إلى مهبط طائرات الهليكوبتر في مانهاتن في نظارات الواقع الافتراضي التي أرتديها في أثناء تجربة جهاز محاكاة الطيران الذي صنعته شركة لوفت دايناميكس، وهي شركة ناشئة سويسرية جريئة تهدف إلى إحداث طفرة في تدريب الطيارين: “إنه واقعي للغاية”.

تعتمد شركات الطيران ومشغلو المروحيات في تدريب طياريهم على أجهزة محاكاة تجربة الطيران الكاملة، وهي عبارة عن هياكل عملاقة تتكون من نسخ طبق الأصل من قمرة القيادة تزن 13 طنًا مثبتة على أرجل متحركة تتطلب أساسات خرسانية بسمك 12 قدمًا، ومساحة من ثلاثة طوابق لإيوائها. ويبلغ سعر النوع الأكثر تطورًا، المعروف باسم أجهزة محاكاة المستوى D، قرابة 20 مليون دولار.

يرى مؤسس شركة لوفت ورئيسها التنفيذي، فابيان ريزن، أن هذه الآلات العملاقة يمكن أن تستبدل بشيء أبسط بكثير، في ظل وجود الواقع الافتراضي. تبلغ مساحة أجهزة محاكاة المروحيات التي تنتجها شركته عُشر حجم أجهزة محاكاة المروحيات وتوفر نحو 80% من التكلفة.

تم تركيب جهاز محاكاة لوفت R22 الذي أجلس عليه في مركز أبحاث إدارة الطيران الفيدرالية في أتلانتيك سيتي على منصة يمكنها التحرك بست درجات من الحرية، مثل أجهزة محاكاة الطائرات العملاقة الأخرى، لكن ارتفاعه لا يتجاوز سبعة أقدام؛ ويجلس في مساحة تبلغ 10 أقدام × 20 قدمًا، بما في ذلك محطة المدرب؛ وتبلغ تكلفته 250 ألف دولار.

يعتقد ريزن أن لوفت ستعيد تشكيل طريقة تدريب الطيارين من خلال إتاحة أجهزة المحاكاة على نطاق أوسع وجعل التكلفة أرخص، ما سيساعد في تقليل مشكلة نقص الطيارين التي تزعج شركات الطيران.

قال ريزن لفوربس بلكنته السويسرية الألمانية في مقابلة فيديو: “نحن نعمل على قلب أعمال محاكاة تجربة الطيران رأسًا على عقب”.

الخطوات الأولى

لقد تجاوزت شركة لوفت عقبة رئيسية نحو تحقيق هدفها، فقد وافقت إدارة الطيران الفيدرالية على جهاز الشركة لمحاكاة طائرة هليكوبتر Airbus H125 كجهاز تدريب طيران من المستوى 5، ما يجعله أول جهاز محاكاة واقع افتراضي معتمد من قبل هيئة تنظيم السلامة الأميركية، بحسب تصريحاتهم يوم الأربعاء.

وفي عام 2022، كانت شركة لوفت قد حصلت على الموافقة على جهازها للمحاكاة H125 كجهاز تدريب طيران من وكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA)، فيما كان يعد أيضًا أول جهاز محاكاة واقع افتراضي.

لكن أجهزة تدريب الطيران لا تتمتع بقدرات أجهزة محاكاة الطيران الكاملة. ونتيجة لذلك، لا يمكن استخدام جهاز محاكاة لوفت حتى الآن في الولايات المتحدة في بعض اختبارات الكفاءة أو التدريبات التنشيطية للطيارين التجاريين.

بل إن التدريب على هذه الأجهزة قد يحل محل حصة من ساعات الطيران المطلوبة في طائرة هليكوبتر فعلية للطلاب الذين يودون أن يحصلوا على رخص طيار خاص أو تجاري.

قال ريزن، إن لوفت اختارت أن تكون أول من يحصل على مسمى “جهاز تدريب” بما يؤهلها للوصول السريع في السوق، وهو ما تطلب الحصول على موافقة الجهات الناظمة على دقة تقنية لوفت الرئيسية المتمثلة في نظامها البصري القائم على الواقع الافتراضي.

تسعى الشركة إلى تجاوز العقبات الإضافية كي تتحول إلى جهاز محاكاة لتجربة طيران كاملة، أي بعبارة أخرى تثبت دقة آلية الحركة الخاصة بها، وقدرتها على محاكاة الطقس العاصف، مثل المطر والثلج بشكل صحيح.

ولا يخفى أن الواقع الافتراضي يتمتع بعدة ميزات، منها إعطاء مجال رؤية بزاوية 360 درجة وإدراك العمق بدقة أكبر من المحاكيات التقليدية، حيث يتم عرض الأشياء المحيطة على شاشة.

تقول الشركة إن هذا يزيد من جودة محاكاة المناورات القريبة من الأرض، مثل الدوران التلقائي كالهبوط الاضطراري دون محرك الذي فشلت في تنفيذه.

كانت إحدى أصعب المهام الملقاة على عاتق الشركة أن تدمج الواقع الافتراضي مع متطلبات الجهات الناظمة التي تلزمها بوحود نسخ دقيقة وملموسة من عناصر التحكم والشاشات.

بارتداء النظارات، تعرض البيانات المتحركة على مقاييس قمرة القيادة التي تكون فارغة في الحياة الواقعية، فيما تعمل ثماني كاميرات موجودة في إطار جهاز المحاكاة على تتبع حركات المستخدم، ما يساعد النظام في إنشاء صورة رمزية افتراضية لذراعيه وساقيه في أثناء عمله على عناصر التحكم.

آفاق مستقبلية

الآن بعد أن أثبتت الشركة تكنولوجيتها مع طائرات الهليكوبتر، التي تعد أصعب طائرة للمحاكاة بسبب نطاق حركتها الواسع، تهدف الشركة إلى دخول سوق الطائرات الأكثر ربحية.

تطور الشركة أجهزة محاكاة لثلاث طائرات ثابتة الجناح كبيرة لم يذكر ريزن أسماءها. وقال إن الشركة تجري مناقشات مع شركات الطيران حول استخدامها.

وهو ما قد يؤدي إلى تحرك المنافسين من صانعي أجهزة المحاكاة الراسخين، وأبرزهم شركة CAE، وهي شركة مقرها مونتريال تسيطر على أكثر من 70% من السوق، وفقًا لشركة الاستشارات الجوية IBA.

“إنهم يمتلكون منتجًا رائعًا ومتقدمون كثيرًا على الجميع”، هكذا قال تيري بالمر، رئيس مجموعة عمل تدريب صناعة المروحيات ومصمم دورات تدريب الطيارين القائمة على المحاكاة.

تعلم الطيران

منذ ثمانينيات القرن العشرين، سمحت أجهزة محاكاة تجربة الطيران الكاملة لشركات الطيران بالتخلص من تكلفة ومخاطر تدريب الطيارين الجدد على طائرات الركاب الحقيقية، حيث يتولى معظم المبتدئين قيادة طائرة ركاب اليوم لأول مرة كمساعد طيار في رحلة ركاب مجدولة عادية.

ولكن بسبب سعرها الذي يصل إلى عدة ملايين من الدولارات، فإن أجهزة محاكاة الطيران الكاملة لا يتم تصنيعها بأعداد ضخمة، فقد سلمت شركة CAE ما يصل إلى 47 جهازًا في العام الذي انتهى في 31 مارس/ آذار.

ويتطلب هذا عادة من الطيارين التجاريين إبعادهم عن الخدمة لعدة أيام للسفر إلى مركز محاكاة للخضوع للتدريب السنوي الإجباري وفحوص الكفاءة.

تتلخص خطة ريزن التسويقية في أن أجهزة محاكاة الطائرات التي تنتجها شركة لوفت سوف تتخلص من هذا الهدر المكلف للوقت، بما يسمح لشركات الطيران بتثبيت أجهزة محاكاة في قواعدها في المطارات الرئيسية حتى يتمكن الطيارون من الخضوع لاختبار تجريبي بعد الانتهاء من رحلاتهم في ذلك اليوم.

إغلاق