على الأغلب سمعت بهذا الاسم من قبل: الانترنت العميق Deep Internet؛ قد تكون عيناك مرت عليه سريعًا كعنوان لمقال ما أو خبر هناك. هناك أيضًا ذلك الاحتمال بأنك قد اصطدمت بمصطلح آخر: الانترنت المظلم Dark Internet؛ وعلى الأرجح وللأسف وجدت المصدر يستخدم المصطلح نفسه كمرادف للانترنت العميق وأنهما الشيء ذاته. هذا ليس صحيحًا إلى حد كبير!
قبل أن ننطلق، يجب أن أنوه أننا سنلجأ للاستعارة البلاغية في بعض الأحيان بينما نستكشف الأمر سويًا هنا. لا يبدو هذا مستغربًا في الواقع لأننا نتناول شيء بلا وجود مادي ملموس. دعك من السيرفرات وأجهزة الحاسب الآلي بما فيها حاسبك أنت شخصيًا أو هاتفك المحمول الذي تقرأ منه هذا المقال إن اعتقدت أنها تُكسب الانترنت جسدًا أو تمنحه بعض الملمس؛ فهذا أشبه بغلق إناء طهي على بعض الهواء ثم القول أن الهواء ملموس وذو كتلة. تقول أن للهواء كتلة بالفعل؟! حسنًا أيها المتحذلق، للانترنت كتلة هو الآخر لكنها خفيفة الوزن بشكل لا يصدق … 50 جرام لا أكثر للانترنت بأكمله! هذا يعادل وزن ثمرة فراولة متوسطة الحجم. لكن هل يشمل هذا كل الانترنت حقًا، حتى الجزء غير الظاهر منه؟ فلنبدأ معًا…
هكذا نستنتج أن الانترنت السطحي يتكون من الصفحات الثابتة والساكنة التي لا تعتمد على قواعد بيانات لعرض محتواها، بل تقوم على خادم Server ينتظر أن يسحب منه الموقع البيانات أو المعلومات حسب الطلب. وبشكل أساسي تتكون هذه المواقع من صفحات HTML ولا يتغير محتواها أبدًا بمرور الوقت إلا إذا قام مديروها بتغيير كود HTML ليتم بعدها رفع النسخة الجديدة من الصفحة إلى الخادم من جديد.
ووفقًا لأحدث التقديرات (30 مايو 2016)، فإن الانترنت المفهرس أو السطحي يحوي ما لا يقل على 14 مليار صفحة. وبينما يبدو الرقم مهولًا للوهلة الأولى، ينبغي أن نتذكر أن الحياة التي تموج بها أعماق البحار والمحيطات أكبر وأكثر تنوعًا مما هي على السطح الظاهر. وهذا هو الحال مع الانترنت العميق Deep Web.
لا أسرار هنا في الواقع، بل الأمر يعتمد على الطريقة التي تعمل بها محركات البحث. محركات البحث تعتمد على الراوبط، أي أنها توفر لك روابط لزيارة موقع يحوي الكلمات الدلالية التي كتبتها في المقام الأول، وبعدها تضغط أنت على الروابط التي ترى أنها ستوصلك إلى وجهتك حقًا. لكنها لن تساعدك أبعد من هذا!
لهذا، فالطريقة الوحيدة للنفاذ إلى هذا الجزء الخفي والمظلم من الانترنت هي بإخفائك أنت الآخر! ولحسن الحظ، فلا حاجة لإخفائك شخصيًا، بل نحتاج لإخفاء هويتك وكيانك الذي يمثلك على الانترنت وهو بروتوكول الانترنت IP الخاص بجهازك الذي تستخدمه. والبرنامج الأشهر هنا لتحقيق هذا والنفاذ إلى الانترنت المظلم هو متصفح شركة The Onion والمعروف باسم TOR؛ حتى أن هناك شبكة كاملة في الانترنت المظلم تدعى شبكة TOR ولا يمكنك تصفح محتواها إلا من خلال المتصفح الذي يحمل نفس الاسم TOR. بالطبع هذا أمر لم يعجب هيئات الرقابة حول العالم ومن ضمنها أجهزة الاستخبارات في كل دولة، وهكذا بدأت في ابتكار وسائل لاستهداف وتعقب من يستخدم متصفح TOR أصلًا!
لكن هل الأمر بهذه الخطورة حقًا؟ هل حان الوقت لبعض الإثارة بعد خيبة الأمل في الانترنت العميق؟ أجل، إلى حد كبير! فعلى الرغم من أن الانترنت المظلم هو مكان ممل للغاية في أغلبه حيث يلجأ إليه العلماء لتخزين وحفظ نتائج أبحاثهم الخام قبل تداولها مع العامة لاحقًا، إلا أن هناك عدد من الأسواق الخفية والمجهولة التي وجدت في الانترنت المظلم غايتها لبيع وتجارة منتجات ممنوعة وغير قانونية كالمخدرات والأسلحة وغيرها.
أسواق الانترنت المظلم
كان موقع طريق الحرير Silk Road هو أول سوق خفي ينجح حقًا في التواجد على الانترنت المظلم. فعقب تأسيسه في عام 2011، قدّم موقع طريق الحرير منصة تجارية شبيهة بمنصة موقع آمازون الشهير، حيث كان باستطاعة الزوار شراء وبيع منتجات أو خدمات غير تقليدية وغير مرخصة لا سقف لنوعيتها باستخدام عملة رقمية لا يمكن تتبعها وتدعى بيتكوين Bitcoin. على الأغلب سمعت باسم هذه العملة بالفعل، ومن المُحتمل جدا أنك سمعت بأخبار تجاوز بيتكوين لحاجز 1000 دولار صعودًا أو نزولًا!
حقق الموقع نجاحًا غير مسبوق بعدما وجد فيه الكثيرون المكان الأنسب للترويج لبضاعتهم المشبوهة والغير قانونية بعيدًا عن أعين جهات الرقابة العامة، خاصة في دول العالم الثالث الذي لا يدري معظمها بوجود مثل هذه الطبقة السرية والعميقة من الانترنت. لذا، وحتى إغلاقه في 2013 عن طريق مكتب التحقيقات الفدرالية الأمريكية FBI، نجح موقع طريق الحرير في اجتذاب ما يزيد عن 1400 بائع وأكثر من مليون عضو مسجل في الموقع، مع تحقيق أكثر من 1.2 مليون عملية شراء وبيع بقيمة 214 مليون دولار! كل هذا في عامين فقط لا أكثر!
والخبر المزعج هنا أن أسواقًا مظلمة أخرى قد حلت محل موقع طريق الحرير المشئوم، مثل أسواق Agora و AlphaBay ليستمر هذا النوع الخفي من الأنشطة غير القانونية بعيدًا عن الأعين ودون رقابة.
لا زلت ترغب في النفاذ إلى الانترنت المظلم؟
الأمر ليس عسيرًا في الواقع. كل ما تحتاجه هو التوجه إلى موقع TOR وتنزيل حزمة متصفح TOR والتي تحوي كافة الأدوات المطلوبة. عقب اكنمال التحميل، قم بفك الملف المضغوط وقم بتشغيل متصفح TorBrowser. سيستغرق الأمر بعض الوقت لتأمين هويتك وضبط بعض الإعدادات سريعًا دون تدخل منك على الإطلاق. وعقب الانتهاء سيفتح المتصفح صفحة البداية لك.
الجزء الأصعب هنا هو معرفة أين تبحث أو أين تبحر في هذا الجزء المظلم من الانترنت. لكننا كذلك نحذرك ولا نشجعك على المخاطرة والولوج إلى هذا الدغل الموحش دون دراية كافية. فحالما دلفت إلى عالم الانترنت الخفي، ستستطيع النفاذ إلى أماكن ومحتوى لا يمكن توقعه، وهذا يعني أن هناك من يستطيع عكس الأمر واصطيادك أنت الآخر! لذا فالنصيحة الذهبية هنا هي وضع شريط لاصق على كاميرا الحاسب الشخصي الخاص بك وكذلك على منفذ الميكروفون به لأن هناك من يضع نظارات رؤية ليلية في هذا العالم المخيف والمظلم من الانترنت. ولتتذكر دومًا أنك قد تكون على بعد ضغطة واحدة من مواقع تبيع المخدرات والأسلحة، وأشياء أخرى أسوأ وأشد خطورة بكثير في الواقع.
ولا أنسى في النهاية أن أقول شيئًا هو الأهم هنا: هذا المقال لا يقصد به بأي حال من الأحوال أن يكون دليلك للولوج إلى الانترنت المظلم Dark Internet، وكذلك لا نشجعك بتاتًا على تجربة الأمر أو التصرف بأي شكل غير قانوني أو أخلاقي.